الهبة المشروطة
اولا:
متى كان يبين من عقد الهبة أن الطرفين قد إتفقا على أن من حق الواهب - و من بعده المطعون عليه - أن يحدد الغرض الذى ينفق فيه ثلث صافى إيراد السينما المنشأة بالمال محل الهبة، و إنتهى الحكم المطعون فيه الى أن حق التصرف فى هذا الإيراد مطلق لا يرد عليه أى قيد ، فإن إيراد هذا الثلث يخرج عن نطاق الأموال المخصصة لأغراض الجمعية الموهوبة لها [ القائمة بإدارة السينما ] و بالتالى فلايكون إستعمال المطعون عليه لهذا الحق مخالفاً لقانون تأسيس الجمعية و يكون هذا الإيراد بمنأى عن الرقابة المفروضة بالقانون رقم 49 سنة 1945 على الجمعيات و المؤسسات الاجتماعية .
ثانيا:
النص فى المادة 489 من القانون المدنى على أنه " إذا قام الواهب أو رثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة فى الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " يدل على أن الهبة الباطلة لعيب فى الشكل لا ترد عليها الإجازة إلا عن طريق تنفيذها إختيارياً من جانب الواهب أو ورثته بأن يكون الواهب أو الوارث عالماً بأن الهبة باطلة لعيب فى الشكل و مع ذلك يقدم على تنفيذها راضياَ مختاراً و هو على بينة من أمره فيسلم المال الموهوب إلى الموهوب له قاصداً من ذلك إجازة الهبة . فتنقلب الهبة الباطلة إلى هبة صحيحة بهذه الإجازة الخاصة ، و لا يجوز له أن يسترد ما سلمه .
ثالثا:
إذا كان إحتفاظ الواهب بحقه فى الإنتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب إعتبار العقد وصية ، و لا يتعارض مع تنجيز التصرف ، و كان الحكم المطعون فيه قد إعتمد فى قضائه برفض ما تمسك به الطاعنون من أن عقد الهبة الصادر من مورثتهم إلى المطعون عليه الأول ، و هو غير وارث يخفى وصية على ما إستظهره من أقوال شهود المطعون عليه المذكور - الذين سمعتهم محكمة الإستئناف ، و لم تكن محل نعى من الطاعنين - من أن عقد الهبة قد تم تنجيزه بأن إستلم الموهوب له حال حياة الواهبة المنازل موضوع العقد ، و إستغلها لحساب نفسه ، فإن النعى على الحكم بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الأدلة ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
رابعا:
الإلتزام فى عقد الهبة - شأنه شأن سائر العقود - قد يكون معلقاً على شرط فاسخ ، فإذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال الإلتزام و جاز للواهب أن يسترد ما وهبه و لا يشترط فى هذه الحالة أن يستند الواهب إلى عذر مقبول و إنما يكفى تحقق الشرط ، كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بقيام مانع من الرجوع فى الهبة ، لأن العقد شريعة المتعاقدين و يجب عليهما تنفيذ ما أشتمل عليه ، و يقوم مقام القانون فى تنظيم العلاقة بينهما . بل هو ينسخ القانون فى دائرة النظام العام و الآداب . و لما كانت محكمة الموضوع بما لها من سلطة تفسير العقود قد إستظهرت - للأسباب السائغة السابق بيانها أن الدولة وهبت جمعية الأقتصاد لموظفى البريد التى يمثلها الطاعن المبلغ موضوع النزاع هبه معلقة على شرط فاسخ هو عدم إستحقاق مستخدمى المصلحة الخارجين على الهبة و المؤقتيون لمكافآت من قبل الدولة ، و إن هذا الشرط قد تحقق بصدور القانون رقم 545 لسنة 1953 الذى حمل الدولة بالمكافآت المستحقة لهم ، و رتب الحكم على ذلك قضاءه برد المبلغ الموهوب فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
خامسا:
حق الواهب فى إسترداد المال الموهوب فى حالة تحقق الشرط الفاسخ للهبة يقوم على أساس إسترداد ما دفع بغير وجه حق و قد أكدت المادة 182 من القانون المدنى هذا المعنى بنصها على إنه يصح إسترداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذا لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق ، إلا أنه لما كان الثابت أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب رد المبلغ الموهوب ، و كان الطاعن قد نازعه فى ذلك و كان رد المبلغ لا يقضى به فى هذه الحالة إلا كأثر من الأثار المترتبة على إنفساخ العقد طبقاً للمادة 160من القانون المدنى التى تقضى بأنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، و كانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدنى و لا تقادم إلا بمضى خمس عشرة سنة ، فإنه طالما يكون للواهب أن يرفع هذه الدعوى فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة عليها و منها رد المال الموهوب ، إذ لا يكون هذا المال مستحق الأداء ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ ، إذ كان ذلك فإن النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس .
سادسا:
المقرر أنه إذا كانت الهبة مشروطة للمساهمة فى خدمة عامة فإن الرسمية لا تكون لازمة لإنعقادها و أن الهبات التى يشترط فيها مقابل لا تعتبر من قبيل التبرعات المحضة التى يجب أن توثق فى عقد رسمى 0
سابعا:
المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن الهبات التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحضة التى يجب أن توثق بعقد رسمى ، فإذا كان العقد مشتملاً على إلتزامات متبادلة بين طرفيه ، فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه لا يعد بيعاً و لا معارضة ، و إنما هو عقد غير مسمى فلا تجب له الرسمية و لا يجوز الرجوع فيه ، و ذلك على الرغم مما قد يكون وارد فيه من ألفاظ التنازل و الهبة و التبرع ، لأن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث على التصرف و لا تؤثر على كيان العقد .
ثامنا:
المقرر- و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الهبة التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحضة . و أن التبرع بتقديم عقار لجهة إدارية لإقامة مشروع ذى نفع عام على أن تتحمل الإدارة بقيمة النفقات و إقامة المشروع لا يعتبر عقد هبة يخضع للأحكام المقررة فى القانون المدنى من وجوب إفراغه فى ورقة رسمية ، و إنما يعتبر عقداً إدارياً تطبق عليه الأحكام و القواعد الخاصة بالعقود الإدارية . لما كان ذلك و كان الإقرار المؤرخ بتاريخ 1975/1/8 الصادر من مورث المطعون ضده الثانى قد تضمن تبرعه بالعقار موضوع التداعى لمجلس مدينة بنها لإقامة مدرسة و مسجد و أن الجهة الإدارية قبلت ذلك فإن هذا التعاقد الذى تم صحيحاً بين عاقدين يكون فى حقيقته عقداً من المعاوضة غير المسماه ، و هو ما جرى الفقه و القضاء على وصفه بأنه عقد تقديم معاونة أو مساهمة يلتزم بمقتضاه شخص بالمساهمة نقداً أو عيناً من نفقات مرفق عام أو مشروع ذى نفع عام ، و هو بهذه المثابة لا يعتبر هبة مدنية فلا تجب له الرسمية ، و لا يجوز الرجوع فيه
و ذلك على الرغم مما قد يكون وارداً فيه من ألفاظ التبرع أو التنازل أو الهبة إذ أن هذه الألفاظ إنما تساق لبيان الباعث وراء هذا التصرف دون أن يؤثر بحال على كيان العقد وحقيقته سالفة البيان.
تاسعا:
إن الهبات التى يشترط فيها مقابل لا تعتبر من التبرعات المحض التى يجب أن توثق بعقد رسمى . فإذا كان العقد مشتملاً على إلتزامات متبادلة بين طرفيه إذ إلتزم أحدهما أن يملك الآخر " مجلس مديرية المنيا " قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه ليس ببيع و لا معاوضة ، و إنما هو عقد غير مسمى ، فلا تجب له الرسمية و لا يجوز الرجوع فيه . و ذلك على الرغم مما هو وارد فى عقد الإنفاق من ألفاظ التنازل و الهبة و التبرع ، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث الذى حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها ، فهى لا تؤثر بحال على كيان العقد و حقيقته .
الهبة المستترة
اولا:
لا يمنع من تنجيز التصرف عدم إستطاعة المتصرف إليهما دفع الثمن المبين بالعقد ذلك أن التصرف الناجز يعتبر صحيحا سواء كان العقد فى الحقيقة بيعاً أو هبة مستتترة فى عقد بيع مستوفيا شكله القانونى .
ثانيا:
تجيز المادة 488 من القانون المدنى حصول الهبة تحت ستار عقد آخر ، و كل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفيا الشروط المقررة له فى القانون ، و إذ كان الحكم قد إنتهى فى أسبابه إلى أن تصرفات مورث الطاعن - التى إعتبرها هبات مستترة - قد صدرت منجزة و مستوفية الشكل القانونى بتلاقى الإيجاب و القبول على مبيع معين لقاء ثمن مقدر ، و كان ذكر الباعث الدافع للهبة فى العقد الساتر لها يتنافى مع سترها ، و كان الطاعن لم يقدم - على ما سجله ذلك الحكم - الدليل على ما إدعاه من عدم مشروعية السبب فى هذه التصرفات ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون و فى تأويله يكون على غير أساس .
ثالثا:
عدم دفع المطعون ضدهم [المشترين] الثمن لا يتعارض مع تنجيز عقدى البيع موضوع الدعوى ، إذ التصرف بالبيع المنجز ، يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد فى حقيقته بيعاً أو هبة مستترة فى صورة عقد بيع إستوفى شكله القانونى .
رابعا:
إذ كان إقرار الموهوب له فى تحقيقات الشكوى الإدارية ، بأن المبلغ الثابت بسند الدين فى حقيقته تبرع ، لا يجعل الهبة مكشوفة ما دامت عبارات السند بذاتها لا تكشف عن الهبة و كان لا يؤثر فى صحة الهبة خطأ الحكم فى تكييف العقد الساتر بإنه وديعة لا عارية إستهلاك ، لأن القانون لا يشترط أن يتم أى من هذين العقدين فى شكل معين ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس .
خامسا:
تجيز المادة 488 من النقض المدنى حصول الهبة تحت ستار عقد آخر ، و هى تخضع فى شكلها للقواعد الخاصة بالعقد الذى يسترها ، و الهبة المستترة فى صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً فى الظاهر لأركان البيع اللازمة لإنعقاده ، أى مذكوراً فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده ، و تحقق ذلك لا يغير منه - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وجود ورقة أو إكتشاف دليل بأى سبيل يكشف عن حقيقة إتجاه نية المتصرف إلى التبرع طالما توافر الشكل الظاهرى .
سادسا:
إذ كان الواقع فى الدعوى أن العقد إستوفى ظاهرياً الأركان القانونية لعقد البيع المنجز من بيع و ثمن ، و أنه صدر من الطاعن بصفته الشخصية إلى نفسه بصفته ولياً شرعياً على أولاده المطعون عليهم وقت أن كانوا قصراً ، و كانت المادة 487 من القانون المدنى تجيز للولى الشرعى أن ينوب عن الموهوب له فى قبول الهبة ، و لو كان هو الواهب ، فيكون له أن يتعاقد مع نفسه ، فإن التصرف المعقود بإعتباره هبة مستترة فى صورة البيع تكون قد توافرت له شرائط الصحة .
سابعا:
المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الهبة المستترة فى صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً فى الظاهر لأركان البيع اللازمة لإنعقاده ، و من ذلك أن يكون مذكوراً به الثمن بطريقة غير نافية لوجوده ، و لو ثبت بأدلة أخرى أن حقيقة نية المتصرف هى التبرع .
ثامنا:
إن كل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة و نفاذها " المادة 48 مدنى " أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفياً كل الشروط المقررة له من حيث الشكل . فإذا كان سند الدين موضوع النزاع مستكملاً جميع شرئط سندات الدين الصحيحة ، و إستخلصت محكمة الموضوع أن التصرف الوارد فيه كان منجزاً و غير مضاف إلى ما بعد الموت ، ثم كيفته ، على فرض كونه تبرعاً ، بأنه هبة صحيحة نافذة فى حق ورثة الواهب ، فذلك هو مقتضى التطبيق الصحيح للقانون .
تاسعا:
إذا كانت الورقة الصادرة إلى أم من أولادها تتضمن إقرارهم بشراء أمهم من مالها الخاص المنزل محل النزاع الصادر عنه عقد البيع من المالك بأسماء الأولاد فى تاريخ لاحق لتلك الورقة ، و أن الأم تنازلت عنه بطريق الهبة إلى أولادها هؤلاء الذين تعهدوا بألا يتصرفوا فيه إلا بعد وفاتها كما تعهدوا بأن يعطوها نفقة شهرية مقدارها مائتا قرش ، فإعتبرت المحكمة هذا الإقرار ورقة ضد تكشف ما أخفاه عقد البيع الصادر بعدها من أن الأولاد ليسوا هم المشترين فى الحقيقة بل المشترى هى الأم ، و أنها قصدت بإخفاء إسمها أن تختصر الطريق و الإجراءات فلا تشترى بعقد ثم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد ، فهذا الذى حصلته المحكمة يسوغه ما ورد فى الإقرار . و المحكمة إذ كيفت عقد البيع المذكور بأنه هبة من الأم لأولادها حررت فى صورة عقد بيع من البائع إلى الموهوب لهم لم يظهر فيه إسم المشترية الواهبة ، و إذ حكمت ببطلان البيع الذى تصرف به الموهوب لهم فى الموهوب و بفسخ الهبة لإخلالهم بإلتزامهم بعدم التصرف ، لا تكون قد أخطأت بل هى طبقت أحكام الصورية و الهبة غير المباشرة تطبيقاً صحيحاً ، فلا يصح الطعن على الحكم من هذه الناحية .
و ما يقال من أن شرط عدم التصرف شرط باطل ، أو أن الفسخ لم ينص عليه جزاءاً بمخالفته ، مردود بأن إشتراط عدم التصرف قد أقت بحياة الواهبة فهو لا ينافى ترتيب حق الملكية لمن وهبت له ، و من ثم صح الشرط و نفذ و جاز لمن وضع لمصلحته أن يطلب فسخ الهبة إذا ما أخل به دون حاجة إلى نص صريح على حق الفسخ . و أما القول بأن إقرار المشترين سابق على الشراء و التملك و أنه يخالف عقد البيع فى رواية دفع الثمن فلا غناء فيه متى كانت المحكمة قد حصلت فهمها واقع الدعوى من أن الإقرار و عقد الشراء ، و لو إختلف تاريخهما ، إنما هما عن واقعة واحدة . و كذلك القول بأن ورقة الإقرار إذ كان تاريخها غير ثابت فلا يجوز الإحتجاج بها على من تصرف له الموهوب لهم بالبيع ، فهو مردود بأن الواهبة قد سجلت صحيفة دعواها بالفسخ قبل أن يسجل المشترى عقد البيع الصادر له و أنها إختصمته فى الدعوى .
تمسك وارث الواهب بصورية الهبة
التمسك من الطاعن بأن عقد الهبة يستر وصية هو طعن بالصورة النسبية بطريق التستر يخضع للقواعد العامة فى الإثبات التى تلقى على الطاعن و هو وارث الواهب عبء إثبات هذه الصورة فإن عجز وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذى يعد حجة عليه .
اولا:
متى كان يبين من عقد الهبة أن الطرفين قد إتفقا على أن من حق الواهب - و من بعده المطعون عليه - أن يحدد الغرض الذى ينفق فيه ثلث صافى إيراد السينما المنشأة بالمال محل الهبة، و إنتهى الحكم المطعون فيه الى أن حق التصرف فى هذا الإيراد مطلق لا يرد عليه أى قيد ، فإن إيراد هذا الثلث يخرج عن نطاق الأموال المخصصة لأغراض الجمعية الموهوبة لها [ القائمة بإدارة السينما ] و بالتالى فلايكون إستعمال المطعون عليه لهذا الحق مخالفاً لقانون تأسيس الجمعية و يكون هذا الإيراد بمنأى عن الرقابة المفروضة بالقانون رقم 49 سنة 1945 على الجمعيات و المؤسسات الاجتماعية .
ثانيا:
النص فى المادة 489 من القانون المدنى على أنه " إذا قام الواهب أو رثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة فى الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " يدل على أن الهبة الباطلة لعيب فى الشكل لا ترد عليها الإجازة إلا عن طريق تنفيذها إختيارياً من جانب الواهب أو ورثته بأن يكون الواهب أو الوارث عالماً بأن الهبة باطلة لعيب فى الشكل و مع ذلك يقدم على تنفيذها راضياَ مختاراً و هو على بينة من أمره فيسلم المال الموهوب إلى الموهوب له قاصداً من ذلك إجازة الهبة . فتنقلب الهبة الباطلة إلى هبة صحيحة بهذه الإجازة الخاصة ، و لا يجوز له أن يسترد ما سلمه .
ثالثا:
إذا كان إحتفاظ الواهب بحقه فى الإنتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب إعتبار العقد وصية ، و لا يتعارض مع تنجيز التصرف ، و كان الحكم المطعون فيه قد إعتمد فى قضائه برفض ما تمسك به الطاعنون من أن عقد الهبة الصادر من مورثتهم إلى المطعون عليه الأول ، و هو غير وارث يخفى وصية على ما إستظهره من أقوال شهود المطعون عليه المذكور - الذين سمعتهم محكمة الإستئناف ، و لم تكن محل نعى من الطاعنين - من أن عقد الهبة قد تم تنجيزه بأن إستلم الموهوب له حال حياة الواهبة المنازل موضوع العقد ، و إستغلها لحساب نفسه ، فإن النعى على الحكم بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الأدلة ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
رابعا:
الإلتزام فى عقد الهبة - شأنه شأن سائر العقود - قد يكون معلقاً على شرط فاسخ ، فإذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال الإلتزام و جاز للواهب أن يسترد ما وهبه و لا يشترط فى هذه الحالة أن يستند الواهب إلى عذر مقبول و إنما يكفى تحقق الشرط ، كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بقيام مانع من الرجوع فى الهبة ، لأن العقد شريعة المتعاقدين و يجب عليهما تنفيذ ما أشتمل عليه ، و يقوم مقام القانون فى تنظيم العلاقة بينهما . بل هو ينسخ القانون فى دائرة النظام العام و الآداب . و لما كانت محكمة الموضوع بما لها من سلطة تفسير العقود قد إستظهرت - للأسباب السائغة السابق بيانها أن الدولة وهبت جمعية الأقتصاد لموظفى البريد التى يمثلها الطاعن المبلغ موضوع النزاع هبه معلقة على شرط فاسخ هو عدم إستحقاق مستخدمى المصلحة الخارجين على الهبة و المؤقتيون لمكافآت من قبل الدولة ، و إن هذا الشرط قد تحقق بصدور القانون رقم 545 لسنة 1953 الذى حمل الدولة بالمكافآت المستحقة لهم ، و رتب الحكم على ذلك قضاءه برد المبلغ الموهوب فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
خامسا:
حق الواهب فى إسترداد المال الموهوب فى حالة تحقق الشرط الفاسخ للهبة يقوم على أساس إسترداد ما دفع بغير وجه حق و قد أكدت المادة 182 من القانون المدنى هذا المعنى بنصها على إنه يصح إسترداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذا لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق ، إلا أنه لما كان الثابت أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب رد المبلغ الموهوب ، و كان الطاعن قد نازعه فى ذلك و كان رد المبلغ لا يقضى به فى هذه الحالة إلا كأثر من الأثار المترتبة على إنفساخ العقد طبقاً للمادة 160من القانون المدنى التى تقضى بأنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، و كانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدنى و لا تقادم إلا بمضى خمس عشرة سنة ، فإنه طالما يكون للواهب أن يرفع هذه الدعوى فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة عليها و منها رد المال الموهوب ، إذ لا يكون هذا المال مستحق الأداء ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ ، إذ كان ذلك فإن النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس .
سادسا:
المقرر أنه إذا كانت الهبة مشروطة للمساهمة فى خدمة عامة فإن الرسمية لا تكون لازمة لإنعقادها و أن الهبات التى يشترط فيها مقابل لا تعتبر من قبيل التبرعات المحضة التى يجب أن توثق فى عقد رسمى 0
سابعا:
المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن الهبات التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحضة التى يجب أن توثق بعقد رسمى ، فإذا كان العقد مشتملاً على إلتزامات متبادلة بين طرفيه ، فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه لا يعد بيعاً و لا معارضة ، و إنما هو عقد غير مسمى فلا تجب له الرسمية و لا يجوز الرجوع فيه ، و ذلك على الرغم مما قد يكون وارد فيه من ألفاظ التنازل و الهبة و التبرع ، لأن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث على التصرف و لا تؤثر على كيان العقد .
ثامنا:
المقرر- و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الهبة التى يشترط فيها المقابل لا تعتبر من التبرعات المحضة . و أن التبرع بتقديم عقار لجهة إدارية لإقامة مشروع ذى نفع عام على أن تتحمل الإدارة بقيمة النفقات و إقامة المشروع لا يعتبر عقد هبة يخضع للأحكام المقررة فى القانون المدنى من وجوب إفراغه فى ورقة رسمية ، و إنما يعتبر عقداً إدارياً تطبق عليه الأحكام و القواعد الخاصة بالعقود الإدارية . لما كان ذلك و كان الإقرار المؤرخ بتاريخ 1975/1/8 الصادر من مورث المطعون ضده الثانى قد تضمن تبرعه بالعقار موضوع التداعى لمجلس مدينة بنها لإقامة مدرسة و مسجد و أن الجهة الإدارية قبلت ذلك فإن هذا التعاقد الذى تم صحيحاً بين عاقدين يكون فى حقيقته عقداً من المعاوضة غير المسماه ، و هو ما جرى الفقه و القضاء على وصفه بأنه عقد تقديم معاونة أو مساهمة يلتزم بمقتضاه شخص بالمساهمة نقداً أو عيناً من نفقات مرفق عام أو مشروع ذى نفع عام ، و هو بهذه المثابة لا يعتبر هبة مدنية فلا تجب له الرسمية ، و لا يجوز الرجوع فيه
و ذلك على الرغم مما قد يكون وارداً فيه من ألفاظ التبرع أو التنازل أو الهبة إذ أن هذه الألفاظ إنما تساق لبيان الباعث وراء هذا التصرف دون أن يؤثر بحال على كيان العقد وحقيقته سالفة البيان.
تاسعا:
إن الهبات التى يشترط فيها مقابل لا تعتبر من التبرعات المحض التى يجب أن توثق بعقد رسمى . فإذا كان العقد مشتملاً على إلتزامات متبادلة بين طرفيه إذ إلتزم أحدهما أن يملك الآخر " مجلس مديرية المنيا " قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه ليس ببيع و لا معاوضة ، و إنما هو عقد غير مسمى ، فلا تجب له الرسمية و لا يجوز الرجوع فيه . و ذلك على الرغم مما هو وارد فى عقد الإنفاق من ألفاظ التنازل و الهبة و التبرع ، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث الذى حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها ، فهى لا تؤثر بحال على كيان العقد و حقيقته .
الهبة المستترة
اولا:
لا يمنع من تنجيز التصرف عدم إستطاعة المتصرف إليهما دفع الثمن المبين بالعقد ذلك أن التصرف الناجز يعتبر صحيحا سواء كان العقد فى الحقيقة بيعاً أو هبة مستتترة فى عقد بيع مستوفيا شكله القانونى .
ثانيا:
تجيز المادة 488 من القانون المدنى حصول الهبة تحت ستار عقد آخر ، و كل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفيا الشروط المقررة له فى القانون ، و إذ كان الحكم قد إنتهى فى أسبابه إلى أن تصرفات مورث الطاعن - التى إعتبرها هبات مستترة - قد صدرت منجزة و مستوفية الشكل القانونى بتلاقى الإيجاب و القبول على مبيع معين لقاء ثمن مقدر ، و كان ذكر الباعث الدافع للهبة فى العقد الساتر لها يتنافى مع سترها ، و كان الطاعن لم يقدم - على ما سجله ذلك الحكم - الدليل على ما إدعاه من عدم مشروعية السبب فى هذه التصرفات ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون و فى تأويله يكون على غير أساس .
ثالثا:
عدم دفع المطعون ضدهم [المشترين] الثمن لا يتعارض مع تنجيز عقدى البيع موضوع الدعوى ، إذ التصرف بالبيع المنجز ، يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد فى حقيقته بيعاً أو هبة مستترة فى صورة عقد بيع إستوفى شكله القانونى .
رابعا:
إذ كان إقرار الموهوب له فى تحقيقات الشكوى الإدارية ، بأن المبلغ الثابت بسند الدين فى حقيقته تبرع ، لا يجعل الهبة مكشوفة ما دامت عبارات السند بذاتها لا تكشف عن الهبة و كان لا يؤثر فى صحة الهبة خطأ الحكم فى تكييف العقد الساتر بإنه وديعة لا عارية إستهلاك ، لأن القانون لا يشترط أن يتم أى من هذين العقدين فى شكل معين ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس .
خامسا:
تجيز المادة 488 من النقض المدنى حصول الهبة تحت ستار عقد آخر ، و هى تخضع فى شكلها للقواعد الخاصة بالعقد الذى يسترها ، و الهبة المستترة فى صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً فى الظاهر لأركان البيع اللازمة لإنعقاده ، أى مذكوراً فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده ، و تحقق ذلك لا يغير منه - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وجود ورقة أو إكتشاف دليل بأى سبيل يكشف عن حقيقة إتجاه نية المتصرف إلى التبرع طالما توافر الشكل الظاهرى .
سادسا:
إذ كان الواقع فى الدعوى أن العقد إستوفى ظاهرياً الأركان القانونية لعقد البيع المنجز من بيع و ثمن ، و أنه صدر من الطاعن بصفته الشخصية إلى نفسه بصفته ولياً شرعياً على أولاده المطعون عليهم وقت أن كانوا قصراً ، و كانت المادة 487 من القانون المدنى تجيز للولى الشرعى أن ينوب عن الموهوب له فى قبول الهبة ، و لو كان هو الواهب ، فيكون له أن يتعاقد مع نفسه ، فإن التصرف المعقود بإعتباره هبة مستترة فى صورة البيع تكون قد توافرت له شرائط الصحة .
سابعا:
المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الهبة المستترة فى صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً فى الظاهر لأركان البيع اللازمة لإنعقاده ، و من ذلك أن يكون مذكوراً به الثمن بطريقة غير نافية لوجوده ، و لو ثبت بأدلة أخرى أن حقيقة نية المتصرف هى التبرع .
ثامنا:
إن كل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة و نفاذها " المادة 48 مدنى " أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفياً كل الشروط المقررة له من حيث الشكل . فإذا كان سند الدين موضوع النزاع مستكملاً جميع شرئط سندات الدين الصحيحة ، و إستخلصت محكمة الموضوع أن التصرف الوارد فيه كان منجزاً و غير مضاف إلى ما بعد الموت ، ثم كيفته ، على فرض كونه تبرعاً ، بأنه هبة صحيحة نافذة فى حق ورثة الواهب ، فذلك هو مقتضى التطبيق الصحيح للقانون .
تاسعا:
إذا كانت الورقة الصادرة إلى أم من أولادها تتضمن إقرارهم بشراء أمهم من مالها الخاص المنزل محل النزاع الصادر عنه عقد البيع من المالك بأسماء الأولاد فى تاريخ لاحق لتلك الورقة ، و أن الأم تنازلت عنه بطريق الهبة إلى أولادها هؤلاء الذين تعهدوا بألا يتصرفوا فيه إلا بعد وفاتها كما تعهدوا بأن يعطوها نفقة شهرية مقدارها مائتا قرش ، فإعتبرت المحكمة هذا الإقرار ورقة ضد تكشف ما أخفاه عقد البيع الصادر بعدها من أن الأولاد ليسوا هم المشترين فى الحقيقة بل المشترى هى الأم ، و أنها قصدت بإخفاء إسمها أن تختصر الطريق و الإجراءات فلا تشترى بعقد ثم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد ، فهذا الذى حصلته المحكمة يسوغه ما ورد فى الإقرار . و المحكمة إذ كيفت عقد البيع المذكور بأنه هبة من الأم لأولادها حررت فى صورة عقد بيع من البائع إلى الموهوب لهم لم يظهر فيه إسم المشترية الواهبة ، و إذ حكمت ببطلان البيع الذى تصرف به الموهوب لهم فى الموهوب و بفسخ الهبة لإخلالهم بإلتزامهم بعدم التصرف ، لا تكون قد أخطأت بل هى طبقت أحكام الصورية و الهبة غير المباشرة تطبيقاً صحيحاً ، فلا يصح الطعن على الحكم من هذه الناحية .
و ما يقال من أن شرط عدم التصرف شرط باطل ، أو أن الفسخ لم ينص عليه جزاءاً بمخالفته ، مردود بأن إشتراط عدم التصرف قد أقت بحياة الواهبة فهو لا ينافى ترتيب حق الملكية لمن وهبت له ، و من ثم صح الشرط و نفذ و جاز لمن وضع لمصلحته أن يطلب فسخ الهبة إذا ما أخل به دون حاجة إلى نص صريح على حق الفسخ . و أما القول بأن إقرار المشترين سابق على الشراء و التملك و أنه يخالف عقد البيع فى رواية دفع الثمن فلا غناء فيه متى كانت المحكمة قد حصلت فهمها واقع الدعوى من أن الإقرار و عقد الشراء ، و لو إختلف تاريخهما ، إنما هما عن واقعة واحدة . و كذلك القول بأن ورقة الإقرار إذ كان تاريخها غير ثابت فلا يجوز الإحتجاج بها على من تصرف له الموهوب لهم بالبيع ، فهو مردود بأن الواهبة قد سجلت صحيفة دعواها بالفسخ قبل أن يسجل المشترى عقد البيع الصادر له و أنها إختصمته فى الدعوى .
تمسك وارث الواهب بصورية الهبة
التمسك من الطاعن بأن عقد الهبة يستر وصية هو طعن بالصورة النسبية بطريق التستر يخضع للقواعد العامة فى الإثبات التى تلقى على الطاعن و هو وارث الواهب عبء إثبات هذه الصورة فإن عجز وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذى يعد حجة عليه .
عدل سابقا من قبل Admin في الخميس أبريل 11, 2013 2:39 pm عدل 1 مرات (السبب : إضافة أحكام)