العدل رافعة القضاء
من منا لم يسمع أو يردد المقولة والحكمة المشهورة العدل أساس الملك والتي كررها ابن خلدون في أكثر من موضع في مقدمته ؟
بالعدل يعمر الإنسان، وتعمر الحضارة، ويعم السلم، وتزهر النفوس والأرض والأجواء وبما أن العدل بين الناس لم تعرفه البشرية بنسبة عالية إلا في فترات تاريخية محصورة في الزمان والمكان، فإن المطالبة بإقامته من جديد هو مطلب مشروع، وإن كان تحقيقه في الظروف الحالية على الأقل هو ضرب من ضروب المستحيلات، ولا يمكن أن يتحقق في خضم بؤر الاختلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا في أفلام الخيال العلمي.
من أجل ذلك، تردد الحناجر بلا كلل ولا ملل، وتطالب الأقلام على اختلاف الملل والنحل بتحقيق المساواة بين البشر كحد أدنى كل يوم ونعني بالمساواة وقوف الناس سواسية أمام القانون الذي يساهمون في كتابته بنضالاتهم وتضحياتهم، فكل القوانين على حالها اليوم هي أقرب لطموحات الطبقة المسيطرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا والتي تشعر يوما بعد آخر بتزايد الضغوطات وتعدد الانتقادات والمطالبات بفسح المجال لإعادة كتابة تلك القوانين بصيغة تسمح للجميع بالمشاركة الفعلية في صياغتها والاستفادة من مضامينها ليسود السلم الاجتماعي عبر المعمورة على أساس أن الفرد مكلف، عليه واجبات لكن له كذلك حقوق بطبيعة الحال، الحق ينزع ولا يعطى، أي لا بد من نضال واستماتة ونفس طويل لكسب معركة التغيير. فالرافضون للتغيير متناصرون لأنهم يستفيدون من الوضع الراهن، لن يتنازلوا بسهولة ولن ينزلوا طوعا من برجهم العاجي للوقوف على نفس المساحة مع الآخرين، خصوصا وهم يحملون فكرا يحفظون به مركزهم الاجتماعي، ويدافعون به عن رصيدهم التاريخي أنهم ورثة المجد فليس إنصافا أن ينازعهم الغير في ذلك. والحديث هنا ليس على الكرسي السياسي، وإنما على أرباب الشركات شركات العائلة أو موظفوا الدولة، أو المستخدمين البسطاء حتى. في قناعات العديد من مثل هؤلاء أنهم منزهون، وأن القانون لا يعنيهم، وإنما يعني البسطاء والفقراء ومن لا ارتباط لهم بنظام معين. وعندما نقول النظام لابد من ذكر مجموعة من العلاقات الخاصة والعامة وتبادل المصالح. وهو ما يفتح المجال واسعا أمام الزبونيات والمعارف، ويمهد الطريق للعلاواة والرشوة، ويفتح باب المزايدات والامتيازات. وفي العديد من الوضعيات من المستحيل تحقيق المساواة بين مواطنين، الواحد منهما له معارفه والآخر يتمسك بالنصوص القانونية فقط. هناك تجاوزات تحدث يوميا في أي مكان يبقى القانون فيها حبرا على الورق، ويكون الحكم هو الهوى كفيصل في قضية معينة.
لقد مل الناس جور الديكتاتوريات، ولا نعني بالديكتاتور صاحب أعلى سلطة وإنما حتى أبسط موظف خدمة. وإذا كانت الجمعيات الغير الحكومية والمجتمع المدني تتهم مباشرة الحاكم أو صاحب القرار لأنه هو الرأس التي تتحكم في شبكة نظامه، وأنه أي صاحب القرار له القدرة والتفويض من طرف الشعب بأن يحاسب كل المخلين بالعمل الشريف والنزيه أمام المواطن. صاحب القرار تحت مسؤوليته كل من كلف بتدبير أو تسيير مرفق معين. وعلى هذا الأساس فإن متابعة كل الفاعلين داخل النظام مسؤوليته هو، علما له السلطة الفعلية لخلق الآليات والوسائل للقيام بذلك الدور فهو من عليه التصنت لنبضات الشارع، وأصوات الأقليات، وحناجر المظلومين والمحرومين وذوي الحقوق المغتصبة والمهضومة. ولن ينتظر أمنستي انترناشينال ولا غيرها إلى أن تثير المشكل عبر قنواتها. فذراع الحاكم اليمنى في تحقيق المساواة هي العدالة القضاء كقطاع مؤمن على تحقيق السلم الاجتماعي، والتناغم بين كافة مكونات المجتمع. لكن السؤال هل في البلدان العربية التي تهمنا أكثر من غيرها القضاء مؤهل للعب دوره الريادي ؟
هل القضاء في البلدان العربية حقق شيئا من النزاهة والقسط بين الناس بروح مفعمة بالمسؤولية والوطنية ؟
ما يتردد على لسان العديدين أن المحكمة هو المكان الغير مرغوب فيه قطعا. ليس لأن به تصدر الأحكام وإنما لنوعية تلك الأحكام. فقد تكون صاحب حق ويضيع منك في لحظة بسبب معين: تدخل من هنا، هاتف من هناك، أمر من هنالك وهلم جرا. بطبيعة الحال لا يمكن تعميم الملاحظة أو حكم القيمة، فقطاع القضاء كغيره من القطاعات ينشط فيه الملتزم وغير الملتزم. وهي الملاحظة التي يجب تجاوزها بالضرورة لتحقيق طموحات الشعوب في استتباب المساواة. وذلك بتنزيه القضاء عن كل أنواع التدخلات التي من شأنها التأثير على مجرى البحوث أو العدالة. لقد سجل في أكثر من مكان تأثير قرارات سياسية على المادة القانونية، وحدثت تراجعات، أحكام صدرت ثم تم العدول عنها لأن المصلحة السياسية تقتضي ذلك كما اتهم آخرون ولفقت ضدهم تهم باطلة وثبت أنه كان من ورائها دوافع سياسية. وهو الأمر الذي طال سياسيين وزعماء. أما الأحكام التي تصدر في حق الأغنياء أو الفقراء فهي الأخرى لم تخل من أخذ وعطاء.
إجمالا، لتجاوز مرحلة الانزلاقات وتحقيق قدر من المساواة بين البشر، فلا بد من أن يتحمل أهل القضاء المسؤولية بسعة الصدر، وحجة العقل، وصحة الحجج والقرائن للفصل في كل النوازل، بعيدا عن أي تأثير ومن أجل ذلك لابد وأن يتمتع القضاء بالاستقلال التام، وأن يتحلى أهله بالقيم الرفيعة،يكون فيها الوازع الديني حاضرا. كما يجب مصاحبة القضاة بلفيف من المراقبين والمتتبعين، حرصا على الدقة والنزاهة والشفافية ومنحهم الآليات والأدوات والزمن الكافي لتدبير القضايا التدبير الحسن، وحتى يتمكنوا من إصدار الحكم العادل في النوازل.
إن استقام القضاء، استقام أمر الأمة، فهو بوابة المحاسبة الدنيوية على المآخذ، والشبهات والمقاصد به يستقيم المعوج ويلين الصلب وينضج، ويصبح الأفراد كأسنان المشط كلهم سواسية أمام القانون ومنهم الساهرون على تطبيقه على الجميع ولم يستثنوا حتى أنفسهم.
من منا لم يسمع أو يردد المقولة والحكمة المشهورة العدل أساس الملك والتي كررها ابن خلدون في أكثر من موضع في مقدمته ؟
بالعدل يعمر الإنسان، وتعمر الحضارة، ويعم السلم، وتزهر النفوس والأرض والأجواء وبما أن العدل بين الناس لم تعرفه البشرية بنسبة عالية إلا في فترات تاريخية محصورة في الزمان والمكان، فإن المطالبة بإقامته من جديد هو مطلب مشروع، وإن كان تحقيقه في الظروف الحالية على الأقل هو ضرب من ضروب المستحيلات، ولا يمكن أن يتحقق في خضم بؤر الاختلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا في أفلام الخيال العلمي.
من أجل ذلك، تردد الحناجر بلا كلل ولا ملل، وتطالب الأقلام على اختلاف الملل والنحل بتحقيق المساواة بين البشر كحد أدنى كل يوم ونعني بالمساواة وقوف الناس سواسية أمام القانون الذي يساهمون في كتابته بنضالاتهم وتضحياتهم، فكل القوانين على حالها اليوم هي أقرب لطموحات الطبقة المسيطرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا والتي تشعر يوما بعد آخر بتزايد الضغوطات وتعدد الانتقادات والمطالبات بفسح المجال لإعادة كتابة تلك القوانين بصيغة تسمح للجميع بالمشاركة الفعلية في صياغتها والاستفادة من مضامينها ليسود السلم الاجتماعي عبر المعمورة على أساس أن الفرد مكلف، عليه واجبات لكن له كذلك حقوق بطبيعة الحال، الحق ينزع ولا يعطى، أي لا بد من نضال واستماتة ونفس طويل لكسب معركة التغيير. فالرافضون للتغيير متناصرون لأنهم يستفيدون من الوضع الراهن، لن يتنازلوا بسهولة ولن ينزلوا طوعا من برجهم العاجي للوقوف على نفس المساحة مع الآخرين، خصوصا وهم يحملون فكرا يحفظون به مركزهم الاجتماعي، ويدافعون به عن رصيدهم التاريخي أنهم ورثة المجد فليس إنصافا أن ينازعهم الغير في ذلك. والحديث هنا ليس على الكرسي السياسي، وإنما على أرباب الشركات شركات العائلة أو موظفوا الدولة، أو المستخدمين البسطاء حتى. في قناعات العديد من مثل هؤلاء أنهم منزهون، وأن القانون لا يعنيهم، وإنما يعني البسطاء والفقراء ومن لا ارتباط لهم بنظام معين. وعندما نقول النظام لابد من ذكر مجموعة من العلاقات الخاصة والعامة وتبادل المصالح. وهو ما يفتح المجال واسعا أمام الزبونيات والمعارف، ويمهد الطريق للعلاواة والرشوة، ويفتح باب المزايدات والامتيازات. وفي العديد من الوضعيات من المستحيل تحقيق المساواة بين مواطنين، الواحد منهما له معارفه والآخر يتمسك بالنصوص القانونية فقط. هناك تجاوزات تحدث يوميا في أي مكان يبقى القانون فيها حبرا على الورق، ويكون الحكم هو الهوى كفيصل في قضية معينة.
لقد مل الناس جور الديكتاتوريات، ولا نعني بالديكتاتور صاحب أعلى سلطة وإنما حتى أبسط موظف خدمة. وإذا كانت الجمعيات الغير الحكومية والمجتمع المدني تتهم مباشرة الحاكم أو صاحب القرار لأنه هو الرأس التي تتحكم في شبكة نظامه، وأنه أي صاحب القرار له القدرة والتفويض من طرف الشعب بأن يحاسب كل المخلين بالعمل الشريف والنزيه أمام المواطن. صاحب القرار تحت مسؤوليته كل من كلف بتدبير أو تسيير مرفق معين. وعلى هذا الأساس فإن متابعة كل الفاعلين داخل النظام مسؤوليته هو، علما له السلطة الفعلية لخلق الآليات والوسائل للقيام بذلك الدور فهو من عليه التصنت لنبضات الشارع، وأصوات الأقليات، وحناجر المظلومين والمحرومين وذوي الحقوق المغتصبة والمهضومة. ولن ينتظر أمنستي انترناشينال ولا غيرها إلى أن تثير المشكل عبر قنواتها. فذراع الحاكم اليمنى في تحقيق المساواة هي العدالة القضاء كقطاع مؤمن على تحقيق السلم الاجتماعي، والتناغم بين كافة مكونات المجتمع. لكن السؤال هل في البلدان العربية التي تهمنا أكثر من غيرها القضاء مؤهل للعب دوره الريادي ؟
هل القضاء في البلدان العربية حقق شيئا من النزاهة والقسط بين الناس بروح مفعمة بالمسؤولية والوطنية ؟
ما يتردد على لسان العديدين أن المحكمة هو المكان الغير مرغوب فيه قطعا. ليس لأن به تصدر الأحكام وإنما لنوعية تلك الأحكام. فقد تكون صاحب حق ويضيع منك في لحظة بسبب معين: تدخل من هنا، هاتف من هناك، أمر من هنالك وهلم جرا. بطبيعة الحال لا يمكن تعميم الملاحظة أو حكم القيمة، فقطاع القضاء كغيره من القطاعات ينشط فيه الملتزم وغير الملتزم. وهي الملاحظة التي يجب تجاوزها بالضرورة لتحقيق طموحات الشعوب في استتباب المساواة. وذلك بتنزيه القضاء عن كل أنواع التدخلات التي من شأنها التأثير على مجرى البحوث أو العدالة. لقد سجل في أكثر من مكان تأثير قرارات سياسية على المادة القانونية، وحدثت تراجعات، أحكام صدرت ثم تم العدول عنها لأن المصلحة السياسية تقتضي ذلك كما اتهم آخرون ولفقت ضدهم تهم باطلة وثبت أنه كان من ورائها دوافع سياسية. وهو الأمر الذي طال سياسيين وزعماء. أما الأحكام التي تصدر في حق الأغنياء أو الفقراء فهي الأخرى لم تخل من أخذ وعطاء.
إجمالا، لتجاوز مرحلة الانزلاقات وتحقيق قدر من المساواة بين البشر، فلا بد من أن يتحمل أهل القضاء المسؤولية بسعة الصدر، وحجة العقل، وصحة الحجج والقرائن للفصل في كل النوازل، بعيدا عن أي تأثير ومن أجل ذلك لابد وأن يتمتع القضاء بالاستقلال التام، وأن يتحلى أهله بالقيم الرفيعة،يكون فيها الوازع الديني حاضرا. كما يجب مصاحبة القضاة بلفيف من المراقبين والمتتبعين، حرصا على الدقة والنزاهة والشفافية ومنحهم الآليات والأدوات والزمن الكافي لتدبير القضايا التدبير الحسن، وحتى يتمكنوا من إصدار الحكم العادل في النوازل.
إن استقام القضاء، استقام أمر الأمة، فهو بوابة المحاسبة الدنيوية على المآخذ، والشبهات والمقاصد به يستقيم المعوج ويلين الصلب وينضج، ويصبح الأفراد كأسنان المشط كلهم سواسية أمام القانون ومنهم الساهرون على تطبيقه على الجميع ولم يستثنوا حتى أنفسهم.