06/07/2010
أحكام للمحكمة الدستورية العليا
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 10
إن الحضانة - فى أصل شرعتها - هى ولاية للتربية ، غايتها الاهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة - التى لها الحق فى تربيته شرعاً - إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن انتزاعه منها - و هى أشفق عليه و أوثق اتصالا به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً - مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية - لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، انطلاقا من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها - و لو فى بعض جوانبها - مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمخض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون استقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها - بافتراض اجتماع شروطها فيها - كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء - باختلافهم فى زمن الحضانة - و هى الفترة الواقعة بين بدئها و انتهاء الحق فيها - على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بانتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو انتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن استقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن اجتهاداتهم فى شأن واقعة انتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون - صغيراً كان أم صغيرة - و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة - على ما تقدم - هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة احتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و احتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الاجتهاد فيها - بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه - بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الاجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها - و هى عشر سنين للصغير و إثنتى عشرة سنة للصغيرة - لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى - فى ثبوته و دلالته - يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و اطمئنانه و يهدد استقراره ، و أن وجود الولد - ذكراً كان أو أنثى - فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها - حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج - لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 14
ما قررته المادة 18 مكرراً ثالثاً - التى أضافها القانون رقم 100 لسنة 1985 إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية - من إلزامها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته و لحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً ، إنما يدور وجوداً و عدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة 20 المطعون عليها، و من ثم فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة 18 مكرراً ثالثاً المشار إليها يعتبر منقضياً بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة . و لا ينال مما تقدم قالة أن للقاضى أن يأذن للحاضنة بعد انتهاء المدة الإلزامية للحضانة بإبقاء الصغير فى رعايتها حتى الخامسة عشرة ، و الصغيرة حتى تتزوج إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك ، ذلك أن ما يأذن به القاضى على هذا النحو ، لا يعتبر امتدادا لمدة الحضانة الإلزامية ، بل منصرفاً إلى مدة استبقاء تقدم الحاضنة خلالها خدماتها متبرعة بها و ليس للحاضنة بالتالى أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التى شملها هذا الإذن ، باعتبار أن مدة الحضانة التى عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى و الرابعة من المادة 18 مكرراً ثالثاً - و التى جعل من فواتها نهاية لحق الحاضنة و صغيرها من مطلقها فى شغل مسكن الزوجية - هى المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم - و غايتها بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة ، و ببلوغها يسقط حقهما فى الاستقلال بمسكن الزوجية ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً فى الانتفاع به إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً .
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 17
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى " و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين " التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لاعتبار أن " حقاً " صفة لقوله تعالى " متاعاً " و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على استحبابها بمقولة افتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين " بمعنى أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً - عند من يقولون بوجوبها - لا شبهة فيه ، و انصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها باعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالامتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الانزلاق إلى معاصيه . و البين من استقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن " المتعة " أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو استحبابها من ناحية أخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الاجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى يقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط استحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لاستحقاق المتعة شرطين : " أولهما " أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . " ثانيهماً " ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين انقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلفة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور - و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق - أن يكون إمتاعها - فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها - تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لآلامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمخض معروفاً بما مؤداه استحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن أمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه " يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً " . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره " ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الاجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة احتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و انقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملائمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها اعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، باعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن اعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع - بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً - أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .
أحكام للمحكمة الدستورية العليا
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 10
إن الحضانة - فى أصل شرعتها - هى ولاية للتربية ، غايتها الاهتمام بالصغير و ضمان رعايته و القيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته . و الأصل فيها هو مصلحة الصغير ، و هى تتحقق بأن تضمه الحاضنة - التى لها الحق فى تربيته شرعاً - إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه و أحرص على توجيهه و صيانته ، و لأن انتزاعه منها - و هى أشفق عليه و أوثق اتصالا به و أكثر معرفة بما يلزمه و أوفر صبراً - مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره و التى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته ، و يطعمه نزراً ، أو ينظر إليه شرزاً . و حين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية - لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها ، انطلاقا من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها ، و إن تطرق الخلل إليها - و لو فى بعض جوانبها - مدعاة لضياع الولد ، و من ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته ، و دفع المضرة عنه ، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون ، و أن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره ، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمخض عن حق للصغير ، و إنما يتداخل فيها حق من ترعاه ، و يعهد إليها بأمره . و لولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير و أصلح له ، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها ، و أن ما يصون استقراره النفسى و يحول دون إيذائه ، و يكفل تقويمه ، من المقاصد الشرعية التى لا تجوز المجادلة فيها ، و أن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها ، بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها - بافتراض اجتماع شروطها فيها - كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير و حفظه . و قد دل الفقهاء - باختلافهم فى زمن الحضانة - و هى الفترة الواقعة بين بدئها و انتهاء الحق فيها - على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها ، و أنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها ، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل . و لئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بانتهائها ، و إنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو انتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء ، و كان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها ، إلا أن استقراء أقوال هؤلاء و هؤلاء يدل على أن اجتهاداتهم فى شأن واقعة انتهاء الحضانة ، مدارها نفع المحضون - صغيراً كان أم صغيرة - و يتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه و يكفل وقايته مما يؤذيه ، و تربيته إنماء لمداركه و لإعداده للحياة ، و بوجه خاص من النواحى النفسية و العقلية ، و كان الأصل فى حضانة الصغير و الصغيرة - على ما تقدم - هو تعهدهما بما يحول دون الإضرار بهما ، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان و المكان ، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير و الصغيرة ، بالنظر إلى طبيعة كل منهما ، و خصائص تكوينه ، و درجة احتياجه إلى من يقوم على تربيته و تقويمه ، و ما تتطلبه الذكورة و الأنوثة من تنمية ملكاتهما . و فى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور ، توخياً لربطها بمصالح الناس و احتياجاتهم المتجددة ، و أعرافهم المتغيرة ، التى لا تصادم حكماً قطعياً . و هى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها ، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها . و تلك هى الشريعة فى أصولها و منابتها ، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الاجتهاد فيها - بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص عليه - بضوابطها الكلية و بما لا يعطل مقاصدها . و لئن صح القول بأن أهمية الاجتهاد و لزومه لا يوازيها إلا خطره و دقته ، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و هو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه ، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها - و هى عشر سنين للصغير و إثنتى عشرة سنة للصغيرة - لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة و مبادئها الكلية ، إذ ليس ثمة نص قطعى - فى ثبوته و دلالته - يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها ، و إنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها و أدعى لتحقيقها ، و بما يحول دون إعناته . و هو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته ، بما يخل بأمنه و اطمئنانه و يهدد استقراره ، و أن وجود الولد - ذكراً كان أو أنثى - فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها - حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة و الصغيرة حتى تتزوج - لا يغل يد والدهما عنهما و لا يحد من ولايته الشرعية عليهما ، و كان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، و تقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها ، و قد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن ، و أن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها ، و كان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية ، غير مناقض لمقوماتها الأساسية ، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الإجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها و دلالتها . إذ كان ذلك ، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل .
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 14
ما قررته المادة 18 مكرراً ثالثاً - التى أضافها القانون رقم 100 لسنة 1985 إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية - من إلزامها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته و لحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً ، إنما يدور وجوداً و عدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة 20 المطعون عليها، و من ثم فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة 18 مكرراً ثالثاً المشار إليها يعتبر منقضياً بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة . و لا ينال مما تقدم قالة أن للقاضى أن يأذن للحاضنة بعد انتهاء المدة الإلزامية للحضانة بإبقاء الصغير فى رعايتها حتى الخامسة عشرة ، و الصغيرة حتى تتزوج إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك ، ذلك أن ما يأذن به القاضى على هذا النحو ، لا يعتبر امتدادا لمدة الحضانة الإلزامية ، بل منصرفاً إلى مدة استبقاء تقدم الحاضنة خلالها خدماتها متبرعة بها و ليس للحاضنة بالتالى أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التى شملها هذا الإذن ، باعتبار أن مدة الحضانة التى عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى و الرابعة من المادة 18 مكرراً ثالثاً - و التى جعل من فواتها نهاية لحق الحاضنة و صغيرها من مطلقها فى شغل مسكن الزوجية - هى المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم - و غايتها بلوغ الصغير سن العاشرة و الصغيرة إثنتى عشرة سنة ، و ببلوغها يسقط حقهما فى الاستقلال بمسكن الزوجية ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً فى الانتفاع به إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً .
=================================
الطعن رقم 007 لسنة 08 مكتب فنى 05 صفحة رقم 260
بتاريخ 15-05-1993
الموضوع : أحوال شخصية
الموضوع الفرعي : أصل تشريع المتعة
فقرة رقم : 17
إن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها ، منها قوله تعالى " و للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين " التى نحا الشافعى فى أحد قوليه و كذلك الظاهرية إلى وجوبها ، و أيدهم فى ذلك آخرون لاعتبار أن " حقاً " صفة لقوله تعالى " متاعاً " و ذلك أدخل لتوكيد الأمر بها . هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل ، و سريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده ، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها . و جماهير الفقهاء على استحبابها بمقولة افتقارها إلى أمر صريح بها . كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول الله تعالى فى المطلقة غير المفروض لها و لا مدخول بها " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين " بمعنى أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن . و الأمر بالإمتاع فيها ظاهر ، و إضافة الإمتاع إليهن تمليكاً - عند من يقولون بوجوبها - لا شبهة فيه ، و انصرافها إلى المتقين و المحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم ، بل توكيد لإيجابها باعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالامتثال إلى أمر الله تعالى و عدم الانزلاق إلى معاصيه . و البين من استقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الواردة فى شأن " المتعة " أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، و فى وجوبها أو استحبابها من ناحية أخرى ، و ما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها ، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها . و جاز لولى الأمر بالتالى الاجتهاد فيها تنظيماً لأحكامه بنص تشريعى يقرر أصل الحق فيها ، و يفصل شروط استحقاقها بما يوحد تطبيقها ، و يقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ، و لا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية . و قد شرط النص التشريعى المطعون فيه لاستحقاق المتعة شرطين : " أولهما " أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح . " ثانيهماً " ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها ، و هما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقصدها ، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها و لمواجهة إيحاشها بالطلاق ، و لأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، و التى دل العمل على تراخيها لا سيما بين زوجين انقطع حبل المودة بينهما . و لا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه ، كالمختلفة و المبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها و سوء تصرفها ، إذ لا يتصور - و قد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق - أن يكون إمتاعها - فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها - تطبيباً لخاطرها ، و لا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لآلامها الناجمة عن الفراق . و ما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها ، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته ، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمخض معروفاً بما مؤداه استحقاقها الإمتاع ، و لو كان ذلك بعد الدخول بها . كذلك فإن أمهات المؤمنين المدخول بهن هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه " يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحاً جميلاً " . و ما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل و بمراعاة حال المطلق يسراً و عسراً و على ضوء ظروف الطلاق و مدة الزوجية ، مستلهماً فى أسس تقديرها قوله تعالى " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره " ، و مستبعداً بذلك الآراء التى تقيسها على المهر و تراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، و مقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الاجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها ، و من غير جهتها ، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها و تمزق سكينتها ، و قد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة احتمالها ، و غالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر و التباغض و انقطاع المودة ، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لا سيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها ، و منهم من حدد أرفعها و أوسطها ، و ليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها ، بما مؤداه جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً . و لئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها ، إلا أن ذلك أدخل إلى الملائمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية ، و لا يجوز أن تخوض فيها ، لا سيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها . كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً ، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً و عسراً ، إذ هى متاع تقرر معروفاً ، و لمصلحة لها اعتبارها . و المتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها ، بل و مطالبون بها ، باعتبارها أكفل للمودة ، و أدعى لنبذ الشقاق ، و إقامة العلائق البشرية على أساس من الحق و العدل . كذلك فإن اعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية و ظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة ، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق ، و إنما قصد المشرع - بإضافته هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً و عسراً - أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها ، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط ، و هو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بالضوابط التى فرضها .